تحروا الرزق الحلال وابتعدوا عن الرزق الحرام

تحروا الرزق الحلال وابتعدوا عن الرزق الحرام


لقد حثّنَا الشرعُ الحكيمُ على تحرِّي الحلال، وقد تضافرتْ النصوصُ التي تحثُّ على أكلِ الحلال، قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}. .
وقال: {فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}
وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟”.(مسلم).
فكلُّنَا يعرفُ الحلالَ والحرامَ؛ لأنَّ الشرعَ الحكيمَ قد بينهُمَا، فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: “إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؛ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ؛ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ؛ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ؛ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى؛ أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ؛ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ”. (متفق عليه).
فينبغي على الإنسانِ أنْ يتقِي الشبهاتِ براءةً لدينِهِ وعرضهِ؛ وأخذًا بالأحوطِ؛ حتى يسعدَ بالحلالِ في دنياه، وينجُو مِن النيرانِ في أخراه.
يجبُ عليكُم تحرِّيَ الحلالِ في مأكلِكُم ومشربِكُم وجميعِ شئونِ حياتِكُم، ولتكنْ لكم القدوةُ في سلفِنَا الصالحِ في تحرِّي الحلال،
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: ” كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الغُلاَمُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ الكِهَانَةَ، إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ “. (البخاري) وفي رواية:” لَوْ لَمْ تَخْرُجْ إِلَّا مَعَ نَفْسِي لَأَخْرَجْتُهَا”

بعض الناسِ يهتمُّ بجمعِ المالِ دونَ النظرِ إلى مصدرهِ أمِن حلالٍ أم حرام؟!!
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الْحَلَالِ أَمْ مِنْ الْحَرَامِ”. ( البخاري ).
فعليكُم تحرِّيَ الحلالِ والبعدَ عن المتشابهِ والحرامِ، واتقوا اللهَ جميعًا في أنفسِكُم وفي أولادِكُم ولا تطعمُوهُم الحرامَ، فإنّهم يصبرونَ على الجوعِ ولا يصبرون على حرِّ النارِ، فكلُّ جسدٍ نبتَ مِن سحتٍ فالنارُ أولَى بهِ، واعلمُوا أنَّ طلبَ الحلالِ وتحريَهُ أمرٌ واجبٌ،
فلن تزولَا قدمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يسألَ عن مالهِ مِن أين اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ؟! فعَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “لا تَزُولُ قَدِمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمُرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟”.
…………،إياك أن تظن أن الغني بالكثرة …………..
جُمِعَ الحرامُ على الحلالِ ليكثرَه
دخلَ الحرامُ على الحلالِ فبعثرَه
فيا مَن همَّكَ الدراهمُ والدنانيرُ دونَ النظرِ إلى مصدرِهَا!! ويا مَن تطعمُ أولادَكَ حرامًا!! ويا مَن تحتكرُ الأقواتَ والأرزاقَ، وتستغلُّ حاجةَ الفقراءِ والضعفاءِ مِن أجلِ حفنةٍ مِن المالِ!! ويا مَن تراشِي وتحابِي رئيسَكَ ومديرَكَ مِن أجلِ هروبِكَ مِن العملِ وتقصيرِكَ فيه، أو مِن أجلِ الوصولِ إلى وظيفةٍ أو منصبٍ أو جاهٍ!!
اتقوا اللهَ ولا تطعمُوا أولادَكُم وأهليكُم حرامًا.

أيُّها الإخوةُ الكرامز: عليكُم أنْ تتحرُّوا أكلَ الحلالِ في حياتِكُم العمليةِ واليوميةِ، ولا يحملنَّكُم استبطاءُ الرزقِ على أنْ تطلبُوه بمعصيةِ اللهِ، فقد حذّرَ النبيُّ ﷺ مِن ذلك.
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” إِنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِيَ أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ، فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ مَا عِنْدَ اللهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ”.

واعلمُوا أنَّ أكلَ الحرامِ سبيلٌ إلى النارِ، فعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ».
والسحتُ: الحرامُ الذي لا يحلُّ كسبهُ؛ لأنَّهُ يسحتُ البركةَ: أي يذهبُهَا، والسحتُ مِن الإهلاكِ والاستئصالِ. وَعَن خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ” إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ ـ يتصرفون ـ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.”(البخاري). وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ».
وفي مقابل ذلك أنَّ مَن أكلَ حلالًا وجبتْ لهُ الجنةُ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ ﷺ: ” مَنْ أَكَلَ طَيِّبًا وَعَمِلَ فِي سُنَّةٍ وَأَمِنَ النَّاسُ بَوَائِقَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ”.
لذلك كانت المرأةُ قديمًا توصِي زوجَهَا حينَ خروجهِ مِن بيتهِ قائلةً: يا هذا، اتقِ اللهَ في رزقِنَا ولا تطعمُنَا حرامًا، فإنَّا نصبرُ على الجوعِ ولا نصبرُ على النارِ!!
واعلمُوا أنَّ الشيطانَ يسعَى جاهدًا على وقوعِكُم في الحرامِ، فإنْ وقعتُم فيه، انصرفَ إلى غيرِكُم،
ألَا فاحرصُوا على الكسبِ الحلالِ لتفوزُوا بالسعادةِ والنجاةِ في الدنيا والآخرةِ، ”
يقولُ سهلُ بنٌ عبدِاللهِ: النجاةُ في ثلاثةٍ: أكلِ الحلالِ، وأداءِ الفرائضِ، والاقتداءِ بالنبيِّ ﷺ “.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك واغننا بفضلك عمن سواك ؛ ونسألك ياربنا أن تصلح أحوالنا وتصلح حال البلاد والعباد اللهم آمين ..بقلم الداعية الإسلامي عبد العليم قشطة.

زر الذهاب إلى الأعلى